لقد جاء قانون الإطار للتعليم بعد سلسلة من القوانين و المشاريع و البرامج و التي ثبت فشلها ، وظل قطاع التعليم غير مستقيم و لم يستطع أن يكون مثل قطاعات التعليم في الدول التي حققت، بواسطته و بدوره العلمي و الاجتماعي و الثقافي ، قفزة نوعية في التقدم و في التنمية. لقد تم تبديد أموال طائلة على حساب قطاع التعليم دون أن يكون لها أثر على مستوى الفعل التعليمي / التعلمي، أو على مستوى الطفل / التلميذ أو الشاب / الطالب ، لأنه لا يخضع للمحاسبة والمساءلة، ليظل قطاعا ريعيا و الاغتناء غير المشروع ، تتراكم أزماته وتتشعب مشاكله سنة بعد سنة، فالدولة لا تريد للتعليم أن يكون تعليما يرقى بالطفل إلى المستوى العلمي المطلوب ،يمتلك القدرات المعرفية و الكفاءات العلمية و تكون له القدرة على التحليل العلمي و على الاستدلال والاستنتاج والقدرة على التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي و الثقافي و الرقمي و المجال الفني و الرياضي. و يكون له وعي بما يعرفه محيطه من تحولات و من متغيرات . إن الدولة و منذ الاستقلال جعلت من التعليم لعبة تتقاذفها أيدي أشخاص لا علاقة لهم بالحقل التعليمي/التعلمي و لا بالحقل التربوي و لا المجال البيداغوجي. فجعلوا منه قطاعا مجردا من مكوناته الأساسية التي تتجلى في الطفل الذي يجب أن يكون مركز الاهتمام الأول في المنظومة التعليمية – التربوية ثم الأستاذ حامل المشعل التربوي ثم المناهج المؤطرة للعمل التعليمي ثم المؤسسة كفضاء منسجم مع روح القيم التربوية الأساسية و القيم الانسانية و الاخلاقية و البيئية . و لما تنعدم المبادئ و هذه الاختيارات في المنظومة التعليمية يسقط الجسر الرابط بين التنمية و التقدم و التعليم ، و تعم الفوضى والارتجالية و المبادرات غير المحسوبة . ذلك حينما يتم تغييب الطفل ،كمركز اهتمام في العملية التعليمية ، يصبح التعليم ينتج الأمية و الاستلاب الفكري و التطرف و التمرد على المدرسة وعلى الأستاذ و و الاستاذة و السقوط في أحضان الجريمة .وهذا ما تسعى إليه السياسة التعليمية للدولة، أي جعل التلميذ حبيس برامج جامدة مقتبسة . حتى لا يستطيع الاعتماد على نفسه واتخاذ القرار المناسب انطلاقا من قناعته العلمية و الفكرية . أما الأستاذ و الذي يعتبر حاملا الرسالة التربوية و الأب الروحي للطفل، فإنه يظل يبحث عن موقعه الحقيقي بين المزايدات الحكومية التي لا تريد منه أن يكون الإطار المشارك المباشر و غير المباشر في التنمية و في تقدم البلاد، بل تريده أن يظل كعابر سبيل ليس إلا ، فمن وضعه كمعلم عارف إلى معلم مؤقت إلى أستاذ منتدب في التعليم الإعدادي إلى معلم عرضي إلى أستاذ لسد الخصاص إلى أستاذ عرضي إلى أستاذ متعاقد الخ .. . فالدولة تريد أن يظل إطار الأساتذة ممزقا و غير مستقر ماديا ومعنويا واجتماعيا حتى ينقطع الرابط بينه و بين التلميذ و بالتالي مع المجتمع للتحكم فيه و عزله عن محيطه . في هذا السياق يتم تنزيل قانون الإطار والذي تشوبه عدة اختلالات و تناقضات منها: أولا: موقع التلميذ في المنظومة التعليمية في علاقة مع المدرسة العمومية التي لم يعطيها مكانتها و لم يحدد طبيعتها ودورها العلمي و التربوي و الاجتماعي و البيئي و الترفيهي و الفني و الرياضي لتكون حضنا للمتعلم يشعر فيه بالدفء الإنساني و الاجتماعي و ليس قفصا يبعث عن الضجر.
ثانيا : قانون الإطار بدل أن يجعل من الأستاذ ، الأستاذ المبدع والمؤلف و المرشد و المساعد الاجتماعي من خلال التكوين الأساسي والتكوين المستمر و من خلال التحفيزات على الإنتاج التربوي و الفكري و المردودية التربوية ،جعل منه ممررا لبرامج لم يساهم فيها و لم يكن شريكا فيها و هي برامج جامدة غير منسجمة مع واقع المحيط و تجعل التلميذ في وضعية متلق لا غير. ولم تعتبر الدولة بأن الأستاذ هو الأب الروحي للطفل الذي يتعلم من خلاله القيم الإنسانية و الروح الوطنية و المساواة و المبادئ العلمية و الاجتماعية و الثقافية.
على الدولة أن تتخلى عن سياسة تمييع العمل التربوي بالترقيع و الارتجالية و المزاجية و أن تعتبر الأستاذ رافعة تربوية من خلال إطار موحد للأساتذة والأستاذات تنتفي فيه الفيئوية و التمزق. و عليها الانصراف الكلي عن سياسة إضعاف التعليم ورجاله وضرب المدرسة العمومية و طمس هويتها لصالح التعليم الخصوصي خدمة لأصحاب النفوذ المالي ( أصحاب الشكارة )
البدالي صافي الدين