Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[mc4wp_form id=195]
أخبار وطنية

مع قهوة الصباح  يكتبها ل “أخبار تساوت”المدون ادريس زياد في عدد اليوم الأربعاء:*مشاهد من واقع الحياة*


٨دخل رجل هَرِمٌ إلى المتجر، كان مُثقلَ الخطى والأنفاس، مُتساقط الشعر، شاحب الوجه، غائر العينين والوجنتين، مُنحنيَ الظهر، لا تخلو يداه من كتفه حتى كفّيْه من موطن جُرح مُلتئم، وكأن أعقاب سجائر طُفئت قديماً على لحمه المنكمش، رغم شكله هذا غير أنه لم يكن مخيفاً ولا عابساً ولا ضجراً، فعلامات التقوى كانت بادية عليه، كان يتمايل يميناً وشمالاً وكأنه يقف على أرض أصابتها هزة عنيفة، ومع كل حركة كان يقول”يا رب…يا رب”، كان أنيق اللباس يحمل في يده منديلاً يمسح به عرقه حين يتصبب…

أسرع صاحب المحل لمساعدته قبل أن يسقط على الأرض، غير أنه رفض المساعدة و واصل السير على أقل من مهله كطفل تعلم الحبو لِتَوّه، اشترى بعض الحاجات، أخرج محفظته من جيبه بعناء كبير ويداه ترتجفان، ثم أعطى صاحب المحل حسابه، وطلب منه أن يعطي ما بقي منه للمتسولين أمام المحل، أدار الرجل ظهره وقبل أن يخرج من المحل أخذ يدعو لصاحبه والزبائن بالمغفرة ودخول الجنة بصوت خافت ضعيف كجسده المتهالك، كرر صاحب المحل طلب مَدّ يَدِ العون للرجل فيما كرر هو الرفض وأصر على حمل أغراضه التي زادت من أثقال جسمه، وخرج كما دخل بكل صعوبة وتَرَوٍّ…

همس صاحب المحل بأذن مساعده، قائلاً: هذا الرجل يشبه حال والدي في آخر أيامه قبل أن يتوفاه الله، العلامات التي تبدو على جسمه هي من تبعات المرض القاتل والعلاج بالكيماوي اللعين، الأعمار بيد الله، أخذ صاحب المحل والزبائن يدعون للرجل بالشفاء وحسن الخاتمة…

كم تبدو الدنيا تافهة قصيرة أمام حقيقة الموت، لكن الحياة لن تستمر بدون نهايات، مع كل نهاية مكان وزمان تولد حياة جديدة، ربما يكمن الموت في البقاء أحياناً، لا بد أن نُبعَث من جديد كما سطوع الشمس، لا تبقى في مكانها، تموت حياة وتولد أخرى، هكذا من رحم الأقدار تولد سُنّة الله…

 

علينا أن نحمد الله أنها نهايات على سبيل الحياة، علينا أن نحمد الله أننا ما زلنا فيها، نؤدي أماناتنا، علينا أن نحمد الله أن نهايتنا الأخيرة لم تحن بعد، والروح لازالت تراوح الجسد، وفي ذلك فرصة عزيزة أن نجد الله بين نهاياته، أن نجده بين سننه، تنتهي الساعة لتبدأ ساعة، يرحل الليل ليأتي النهار، يفضي المنعطف لطريق طويل، والطريق لطريق، والمحطة لمحطة، في الوصول إلى نهاية، وفي النهاية بداية تفصيل جديد.

🖋️إدريس زياد

أخبار تساوت

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AKHBARTASSAOUT @2023. All Rights Reserved.