في كل حي من أحياء مدننا ، وفي كل شارع وبيت، هناك قصة تعكس واقعنا اليومي بمرآة صادقة ومؤلمة.
شاب يرفع صوته على والديه بلا خجل، وكأن الاحترام صار شيئًا من الماضي. فتاة تشارك تفاصيل حياتها الخاصة على واتساب وإنستغرام دون شعور بالخجل، وكأن خصوصيتها صارت مادة للعرض والضحك.
مقاطع قصيرة على التيك توك تحوّل المعصية إلى مادة للترفيه، والخطأ إلى مادة للضحك الجماعي. ما كنا نستحي منه بالأمس أصبح اليوم “ترند”، والمشاهد التي كانت تخدش الذوق صارت محتوى يمكن مشاهدته بلا رادع، والكلمات التي كنا نهمس بها صارت تعليقات ساخرة ومنشورات علنية.
نتساءل: ما الذي تغيّر؟الجواب صار واضحاً: غاب الحياء من بيوتنا، من مدارسنا، من شوارعنا. الجراءة المذمومة تسللت إلى أبنائنا، وتآكلت قيم الاحترام والتواضع تحت شعار: “كلشي كيديرها، علاش أنا لا؟”.
الحياء ليس رفاهية، بل هو خط الدفاع الأول لأي مجتمع يحافظ على تماسكه واستقراره. إذا انهار، تنهار معه قيم الاحترام، والتواضع، والنزاهة، والضمير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”، تحذيراً من مجتمع بلا حياء، بلا رادع، بلا استقامة.
اليوم، مشكلتنا ليست في ضعف الإمكانيات أو قلة الذكاء، بل في جفاف القيم الأساسية. نرى الفضائح أمام أعيننا، نقرأها، نضحك عليها، ونمرّ دون اكتراث. أطفالنا يتعلمون المشاهدة والتقليد، لا الاحترام والخجل، وهكذا تتسلل الانحرافات إلى المجتمع من أقرب الأماكن إلى قلب الأسرة والمدرسة.
المغربي اليوم يعيش بين تضارب القيم: بين الأصالة والانفتاح، بين تقليد الآخرين والتشبث بالهوية. في الأسواق والمقاهي ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح كل شيء مادة للعرض، وكل شيء يُقاس بعدد الإعجابات والمشاهدات، وليس بالقيم والضمير.
إن تربية الأجيال الجديدة على القيم يجب أن تبدأ من البيت والمدرسة، ليس على المعرفة وحدها، بل على الخجل النقي، والوقار الصامت، والضمير الحيّ. ضمير لا يحتاج إلى كاميرا، يعيش فينا، ويحمي مجتمعنا، ويحافظ على كرامتنا وقيمنا المغربية الأصيلة.الحياء ليس مجرد شعور…
إنه الحصن الأخير ضد الانهيار الأخلاقي، وضد مجتمع يصبح فيه كل شيء للبيع، كل شيء للعرض، وكل شيء بلا ضمير. وإذا فقدناه، فقد فقدنا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، بين ما يُكرّمنا وما يُذلنا، بين مجتمع نحبه وبين مجتمع نخشاه.
فلنُعيد الحياء إلى بيوتنا، إلى شوارعنا، إلى مدارسنا. فلنُربّ أولادنا على الخجل النقي، على الوقار الصامت، وعلى الاحترام المتبادل. لأن المجتمع بلا حياء هو مجتمع بلا رادع، بلا أخلاق، وبلا مستقبل.او كما قال الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو،,: إن الحرية بلا اخلاق،كالجسد بلا روح ..