كان يوم الجمعة 19 شتنبر 2025 يوم بداية محاكمة الأخ محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام بالمحكمة الابتدائية بباب دكالة مراكش، على خلفية شكاية مباشرة تقدم بها ضده البرلماني التجمعي يونس بن سليمان مدعيا فيها بأنه تعرض للتشهير من طرف رئيس الجمعية، لما كشف عن خروقات مالية و إدارية شابت مشروع المحطة الطرقية العزوزية بمراكش.
كان يوم الجمعة 19 شتنبر يوما استثنائيا شهدته ساحة المحكمة الابتدائية بباب دكالة، حيث منذ الصباح الباكر بدأت تتوافد القوافل التضامنية من كل أنحاء الوطن ، كل قافلة تشهر لافتات و يافطات تحمل شعارات التضامن مع الأخ الغلوسي و شعارات إدانة المفسدين .
لافتات تم بتها على طول مدخل المحكمة كلها عبارات التضامن و كلها إدانة لسياسة تكميم الأفواه المناهضة للفساد و الرشوة .و ما أن التحق الدفاع بالمحكمة و ظهر المحتفى به في هذا العرس النضالي، محمد الغلوسي، حتى اهتزت أرجاء ساحة باب دكالة بشعارات التضامن و بشعارات تدين سياسة الحكومة الساعية إلى محاكمة المناضلين الشرفاء، نشطاء حماية المال العام و المطالبين بالحرية وبحقوق الإنسان .
إنه عرس نضالي التقى فيه كل الرفاق من أنحاء الوطن يمثلون هيئات تقدمية وديمقراطية، سياسية و نقابية وجمعيات المجتمع المدني ، من أجل الإعلان الصريح و بالصوت الجماعي العالي عن التضامن مع الأخ محمد الغلوسي .
جماهير طوقت المحكمة باللافتات والشعارات . تذكرني هذه المشاهد بمحاكمة مراكش الكبرى، وهي من أشهر المحاكمات سنة 1971 بمراكش ، وكان أغلب المتابعين من المنتمين لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة المس بأمن الدولة . رغم اختلاف الظروف و الموضوع في هذه المحاكمة فإنها تذكرنا بتلك اللحظة حيث المحكمة تم تطويقها بعناصر من الجيش و الأمن و القوات المساعدة و تم منعنا من التظاهر أو التجمع قرب المحكمة ونحن تلاميذ بقسم الباكالوريا و كنا كلنا حماس واندفاع و تعاطف مع المعتقلين.
ما تشهد اليوم هذه المحكمة، بمحاكمة الأخ محمد الغلوسي، بناء على شكاية مباشرة لأنه فضح الفساد و أبطال الفساد بمراكش بل بربوع الوطن، يجعلنا نعيش لحظة من لحظات محاكمة المناضلين و المناضلات الذين ظلوا في واجهة النضال من أجل الحرية و الكرامة و حقوق الإنسان .و إن محاكمة الأخ محمد الغلوسي تأتي هي الأخرى في سلسلة المحاكمات التي تسعى إلى إسكات الأصوات الحرة في هذا البلد ،و هي محاكمة تأتي في سياق سياسة حكومية تتميز بحماية الفساد و المفسدين و خلق ظروف انتعاش الفساد و التهرب الضريبي وتبييض الأموال و الإثراء غير المشروع و تفشي مظاهر نهب ثروات البلاد و تحويل التعليم إلى قطاع ينتج الأمية و الجهل و التخلف الفكري و الثقافي و العقد النفسية و تكريس الطبقية في هذا القطاع و ترويج لتجارب فاشلة حتى لا تستقيم المدرسة العمومية و تصبح المدرسة الخصوصية هي البديل الذي يسوق لمفاهيم و سلوكات لا تستقيم والقيم الوطنية و لا تساهم في تخليق الحياة التربوية و الحياة العاطفية، و بالتالي إفراغ القطاع الصحي من محتواه ليصبح اسما بلا مسمى ، مما جعل المواطنين و المواطنات عبر مجموعة من المدن ينتفضون ضد سياسة الحكومة ويطالبون بتعليم جيد و مستشفيات في المستوى ولا يريدون المونديال .
إن الوقفة التضامنية الاحتجاجية تضامنا مع الأخ محمد الغلوسي من حيث شعاراتها و نوعية الحضور كانت تنذر بما سيقع من انفجار اجتماعي نتيجة سياسة حكومية تخلت عن الشعب لتخدم مصالحها و مصالح لوبيات الفساد و سماسرة الانتخابات .
إن محاولة التضييق على الجمعية المغربية لحماية المال العام و على مناضليها و مناضلاتها، من خلال عدم تسليم الجمعية وصل الإيداع القانوني و محاكمة رئيسها الأخ محمد الغلوسي، لن ينفع المفسدين و حماة الفساد من مضي الجمعية قدما في تعرية واقع الفساد وآثاره على التنمية وتقدم البلاد .
لقد كشفت الوقفة التضامنية الاحتجاجية خيوط المؤامرة المكشوفة التي تحاك ضد كل الأصوات الحرة و المناهضة للفساد و لسياسة الحكومة المبنية على نهب المال العام و على المحاكمات الصورية و المتابعات الكيدية والتشجيع على الإفلات من العقاب.
البدالي صافي الدين