Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[mc4wp_form id=195]
رأي

المدون مصطفى لحميدي يكتب: وباء الشهرة… حين تُستبدل القدوة بالتفاهة…ـ

لم يعد من المستغرب اليوم أن نرى البنوك والشركات الكبرى تتهافت على التعاقد مع مروّجي التفاهة ومشيعي الفاحشة، رجالاً ونساءً، وكأنها تعلن للشباب صراحة: “كُن مشهوراً بأي وسيلة، وسنتكفل نحن بالباقي”.

هكذا تُفتح الأبواب الواسعة أمام من يثير الضجيج ويجيد التسويق لابتذاله، فيما تُغلق في وجه العقول المتعلمة والمواهب الحقيقية….منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها “تيك توك”، تحولت إلى ساحات لسباق محموم، حيث تسعى فتيات في مقتبل العمر إلى استعراض أجسادهن وأسلوب حياتهن السطحي، وهنّ على يقين أن دقائق من العبث قد تجلب لهن عقوداً بالملايين.

في المقابل، يعيش آلاف الشباب من حَمَلة الشهادات بين البطالة واليأس، بعدما أدركوا أن عشرين سنة من الدراسة والكدّ لا تضاهي إعلاناً قصيراً أو مقطعاً مثيراً للغرائز….المفارقة صارخة: المعلم، الذي يفترض أن يكون القدوة، يكدّ حياته كلها ليحصل على راتب بالكاد يسد رمقه، بينما “مشهورة على مواقع التواصل” تركب سيارة ثمنها يعادل مجموع أجوره مدى العمر.

كيف نلوم الناشئة إذاً حين يرون هذا الواقع، ويقتنعون أن أسرع الطرق إلى الصعود تمرّ عبر التفاهة، لا عبر الجدّ والاجتهاد؟لقد تغيّرت أحلام الأطفال.

في الماضي، كان أغلبهم يتمنون أن يصبحوا لاعبينةلكرة القدم أو فنانين، فتقف الموهبة حاجزاً بينهم وبين طموحهم. أما اليوم، فقد صار الطريق إلى “النجومية” مفتوحاً للجميع، لا يحتاج إلى موهبة ولا علم، بل يكفي بعض الجرأة على كسر القيم والأعراف.

إنها أزمة مجتمع بأكمله، لا أزمة شباب فقط. حين تُصفّق المؤسسات الاقتصادية والإعلامية للتفاهة، وحين تُقدَّم الابتذالات على أنها نجاح، فلا يمكن أن نلوم جيلاً وُلد وسط هذا الضجيج، بل نلوم من صَنَع له هذا الواقع وباركه.لكن، ورغم هذا المشهد القاتم، لا تزال هناك بارقة أمل. فمجتمعنا يزخر بآلاف الشباب المبدع والطاقات الخلّاقة، ممن يمكن أن يكونوا قدوات حقيقية إذا ما وجدوا من يكتشفهم ويدعمهم إعلامياً واقتصادياً.

هؤلاء قادرون على إعادة الاعتبار للعلم والفن الهادف والعمل الجاد، إذا ما أُتيحت لهم المنابر، بدل أن تُحتكر الساحة لسطحيةٍ تُغرق الوعي وتُفسد الذوق العام.

الخاتمة….ما يحدث اليوم ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هو وباء الشهرة المصطنعة؛ وباء يهدد القيم ويشوّه الطموحات ويزرع في عقول الناشئة أن النجاح يُقاس بعدد المتابعين لا بعدد الإنجازات.

وإن لم نتحرك جميعاً، مؤسسات وأفراداً، لإعادة الاعتبار للقدوة الحقيقية، فإننا سنستيقظ بعد سنوات على جيلٍ لا يؤمن بالعلم ولا بالعمل، بل يلهث وراء وهم الشهرة حتى وإن كان ثمنه ضياع المجتمع بأسره.

أخبار تساوت

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AKHBARTASSAOUT @2023. All Rights Reserved.