Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[mc4wp_form id=195]
رأي

عصر التفاهة… زمن صعود الفراغ وهبوط الفكر

مصطفى لحميدي

نعيش اليوم زمنًا غريبًا، زمن اختلطت فيه الموازين وانقلبت فيه المعايير. إنه بحق عصر التفاهة؛ حيث تراجعت القيم، وتوارى الفكر خلف الضجيج، وغابت الجدية أمام المظاهر البراقة.

صار الصخب أهم من المضمون، والسطحية أسرع طريق إلى المجد الزائف، بينما يُهمش المبدع ويُهمل المفكر.لقد أصبحنا نشاهد بأعيننا كيف تُرفع الأصوات الفارغة، بينما تُقصى الطاقات الحقيقية. كيف يُحتفى بالمظاهر على حساب الجوهر.

كما قال إدواردو غاليانو: “صرنا في زمنٍ صار فيه حفل الزفاف أهم من الحب، ومراسم الدفن أهم من الميت، واللباس أهم من الجسد.” والخطر الأكبر اليوم ليس الحروب ولا الأسلحة، بل التفاهة التي تقتل الأحلام وتضعف العقول.

الكاتب الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة وصف هذا الواقع بدقة: “لقد انتصر التافهون… لقد أمسكوا بكل شيء.” فزمن القيم ولى، وحل مكانه زمن الصعاليك الهابطين. وكلما تعمق الإنسان في الابتذال، ازداد بريقه وانتشرت شهرته.يتجلى ذلك بوضوح في مواقع التواصل الاجتماعي: صفحات بلا مضمون ولا رسالة، تحصد آلاف الإعجابات والمتابعات. يكفي أن ينشر أحدهم محتوى سطحيًا مثل: “ضع قلبًا إذا أحببت والدتك” أو “بيتزا أم برغر؟” ليحقق آلاف التفاعلات، بينما يمر مقال فكري أو مقطع تحليلي جاد وكأنه لم يُكتب.

ولم يقتصر الأمر على العالم الافتراضي، بل أصبح جزءًا من حياتنا اليومية في المجتمعات العربية والمغربية. الشهرة لم تعد تُبنى على العلم أو التميز، بل على كثرة الضحك واللهو و”التمييع”. وصارت الأموال تتدفق على من ينجح في إهانة نفسه ومن حوله، ليصبح مشهورًا يُشار إليه بالبنان.

وهكذا نعيش زمن التفاهة والرجعية، زمن يرفع التفاهة ويُقصي المبدعين، فلا عجب أن أصبحنا أضعف الأمم.والأدهى أن هذه التفاهة لم تعد عفوية، بل تحولت إلى صناعة كاملة، منصات وأسماء ورموز يوميًا تسرق الوقت، وتغرس الفراغ في العقول، فتنتج أجيالًا تعيش على اللهو والضجيج، وتنسى قيمة العمل والمعرفة.حتى الساحة السياسية لم تسلم من هذا الانحدار. فبدل أن تكون منبراً للنقاش والتغيير، صارت مسرحًا للمشادات والسجالات الفارغة.

بعض المنتخبين يتنافسون على نشر التفاهة والهاء الناس بالخلافات العقيمة، بدلاً من تقديم حلول تعالج مشاكل المواطنين، فتتحول السياسة نفسها إلى مشهد من مشاهد الانحدار.

الخطر الحقيقي، كما يؤكد دونو، ليس في وجود التافهين، بل في قبول الناس للتفاهة كمعيار طبيعي للحياة. لذا تقع علينا مسؤولية نقد ما نستهلك، والوعي بما نتابعه، وإعادة الاعتبار لكل ما هو جاد وهادف.

فالوعي اليوم، هو صُنع المستقبل غدًا.القيمة الحقيقية للإنسان ليست فيما يستهلكه من تفاهة، بل فيما يضيفه من معرفة وفكر وإبداع.

وإذا كانت التفاهة صناعة، فإن الوعي أيضًا صناعة، والقرار بأيدينا: إما أن نستسلم لعصر الإسفاف، أو نصنع عصرًا جديدًا للأنوار… وكما قال جورج برنارد شو: “العالم ملي بالجهلاء، وأخطرهم أولئك الذين يعتقدون أنهم أذكياء.”

أخبار تساوت

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AKHBARTASSAOUT @2023. All Rights Reserved.