Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[mc4wp_form id=195]
رأي

مقاهي اليوم: حين تتحول الشهامة والرجولة إلى سلعة في مزاد الربح

بقلم:المصطفى لحميدي

خلال السنوات الأخيرة، بات من الملاحظ في العديد من المدن المغربية، ومنها قلعة السراغنة، تزايد تشغيل الفتيات كنادلات في المقاهي. وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في الماضي، إذ ارتبطت هذه المهنة لسنوات طويلة بالرجال، باعتبارها عنوانًا للشهامة والجلَد ورمزًا للنبل والأعراف.

لكن ما الذي تغيّر؟ولماذا صار صاحب المقهى يفضل الفتاة على الرجل؟الجواب المباشر هو الربح السريع. فقد أدرك أرباب المقاهي أن وجود الفتاة بمظهرها وأناقتها يجذب الزبائن، خصوصًا ضعاف النفوس والمكبوتين، فصارت الفتاة وسيلة تسويقية أكثر منها عاملة تبحث عن قوتها.

وهكذا، لم يعد المقهى يسوّق مشروبه بقدر ما يبيع “الواجهة البشرية” التي تستهوي العيون وتستقطب الجيوب.الأمر لم يتوقف عند هذا البعد التجاري، بل تحول إلى سباق محموم بين المقاهي: من يشغل فتيات أكثر، ومن ينجح في استقطاب الزبائن عبر “الابتسامة والوجه الأنيس” بدل الاعتماد على جودة الخدمة أو مكانة المقهى. وهنا يختفي النادل الرجل تدريجيًا، ومعه تختفي صورة الرجولة من فضاء كان عنوانًا لها.الأخطر من ذلك أن المجتمع الذي كان يرى في الأمر عيبًا بالأمس، صار يتعامل معه اليوم ببرودة وكأنه شيء عادي. تراجعت الغيرة التي كانت تحمي البيوت والأحياء، وتراجعت معها قيم الرجولة والشهامة التي طالما ميّزت رجال الأمس.

ولعل المثال الأبرز هو مدينة قلعة السراغنة، التي كانت حتى عهد قريب موطنًا لـ الشهامة والغيرة والرجولة والأعراف. كان المقهى فضاءً رجوليًا بامتياز، والنادل شخصية تحظى بالاحترام بجلده وصبره، يمثل جزءًا من ذاكرة الحي وصورته. أما اليوم، فقد اجتاحتها نفس الموجة، وصارت المقاهي تتسابق على تشغيل الفتيات، في مشهد ينذر بأن تتحول مهنة النادل الرجل إلى مجرد ذكرى في ذاكرة الأجيال.

إنها ليست مجرد “فرصة عمل للفتيات” كما يحاول البعض تبريرها، بل هي في كثير من الأحيان تحايل على الغرائز وتغذية للمكبوتات. مقاهٍ تتزين بالوجوه الناعمة لا بالقيم النبيلة، وتعرض الأجساد قبل أن تقدم فناجين القهوة.

فهل يعدّ هذا تطورًا طبيعيًا وانفتاحًا حداثيًا؟أم هو انحدار أخلاقي يضع الربح فوق الغيرة، والجشع فوق الرجولة، والتسويق فوق الكرامة…؟الأسئلة كثيرة، لكن المؤكد أن قلعة السراغنة، ومعها مدن أخرى في مغربنا الحبيب، تواجه خطرًا حقيقيًا: أن تتحول من موطن للقيم والأعراف إلى سوق مفتوح، تُباع فيه حتى الشهامة والغيرة والرجولة في مزاد الربح السريع.

أخبار تساوت

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AKHBARTASSAOUT @2023. All Rights Reserved.