Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[mc4wp_form id=195]
رأي

البودكاست في المغرب: بين الابداع وشبح التقليد

المصطفى لحميدي

تشهد ظاهرة البودكاست في المغرب خلال السنوات الأخيرة نموًّا لافتًا يعكس التحولات العميقة التي يشهدها المشهد الإعلامي والرقمي على حد سواء، فقد باتت هذه الوسيلة الحديثة تستقطب جمهورًا واسعًا من مختلف الأعمار، خاصة من تجاوزوا سن الثامنة عشرة، الذين وجدوا فيها مساحة جديدة للتعبير والحوار واكتشاف مضامين لم توفرها لهم القنوات التقليدية.

ولعل السر في نجاح البودكاست يكمن في كونه فضاءً حرًّا، يتيح للمستمع أن يختار وقته ومكانه ومزاجه، بعيدًا عن سلطة البث المباشر وضغط الأخبار المتسارعة، ليعيش تجربة معرفية أو ترفيهية أكثر هدوءًا وعمقًا.هذا التطور لا يمكن النظر إليه معزولًا عن السياق العربي الأوسع، حيث برزت في دول الخليج تجارب رائدة استطاعت أن تحجز مكانًا مرموقًا في المشهد الإعلامي الرقمي.

يكفي أن نذكر بودكاست فنجان الذي يقدمه عبدالرحمن أبو مالح، والذي صار نموذجًا ناجحًا في تحويل الحوار العميق إلى محتوى جماهيري يجذب الملايين. كما نجد بودكاست سوالف بزنس الذي يفتح آفاقًا رحبة أمام المهتمين بريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي، فضلًا عن تجارب أخرى مثل بودكاست جلسة الذي اختار أن يغوص في مواضيع اجتماعية وثقافية تهم الشباب الخليجي والعربي على السواء.

هذه النماذج قدمت دروسًا مهمّة لمن يرغب في دخول هذا المجال: الإبداع لا في الشكل فقط، بل في المضمون والرؤية، والقدرة على بناء ثقة مع المستمع.وعلى المستوى العالمي، يظل بودكاست The Joe Rogan Experience مثالًا حيًّا على كيف يمكن لمحتوى صوتي أن يتحول إلى منصة مؤثرة تناقش السياسة والفكر والفن والرياضة، ويصنع لنفسه قاعدة جماهيرية تفوق أحيانًا تلك التي تحظى بها كبريات القنوات التلفزيونية.

هذا البعد العالمي يضع أمام صناع المحتوى المغاربة تحديًا مزدوجًا: ضرورة الانفتاح على تجارب الآخرين، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية واللغوية المحلية.لكن مع هذا الزخم، برزت أيضًا ظواهر سلبية تهدد مسار هذه الوسيلة الناشئة.

ولعل أبرزها ما يعرف بقضية كوبي كولي، حين تعمّد صاحب أحد البودكاستات تقليد تجربة “كلام في سياسة” إلى حد النسخ الحرفي تقريبًا، من تصميم البلاتو إلى نوعية الميكروفون وحتى اللقطات والفواصل، ولم يتغير سوى الاسم المكتوب على الفنجان وبعض اللمسات السطحية.

مثل هذه المحاولات لا تبشر بخير، لأنها تحرف جوهر الفكرة من الإبداع إلى المعاكسة، وتفرغ البودكاست من روحه القائمة على الأصالة والجرأة في الطرح.

إن قوة البودكاست تكمن في شخصيته الخاصة، في نبرته التي تميزه، وفي علاقته الحميمة مع المستمع الذي يختاره عن قناعة. لذلك، فإن مستقبل هذه الوسيلة في المغرب يتوقف على مدى قدرة صناع المحتوى على تجاوز التقليد والسطحية، والانفتاح بدلًا من الانغلاق، والتجديد بدلًا من الاستنساخ.

فالجمهور لم يعد يبحث عن نسخة أخرى من البرامج التلفزيونية، بل عن محتوى يعكس واقعه، يطرح أسئلته، ويخاطب عقله ووجدانه بلغة صادقة.

إن البودكاست ليس مجرد موضة عابرة، بل وسيلة رقمية تترسخ يومًا بعد يوم كإحدى أبرز أدوات التعبير والتأثير في العصر الحديث.

وما يحتاجه المغرب اليوم هو الدفع بهذه الظاهرة نحو النضج عبر تشجيع الأصوات الجديدة، ومواكبة التجارب الناجحة إقليميًا وعالميًا، مع الحذر من الوقوع في فخ النسخ الأجوف. فالإبداع وحده هو ما يمنح هذه الوسيلة شرعيتها، والقدرة على الاستمرار.

أخبار تساوت

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AKHBARTASSAOUT @2023. All Rights Reserved.