بقلم صالح رشيد
في البدء كانت الأحزاب “كثمرة للديمقراطية والاقتراع العام وضرورة تجنيد وتنظيم الجماهير”، ثم في محاولة منها لاستمالة فئة الشباب وهي أكبر فئات الهرم السكاني للبلاد، قامت بتأسيس “منظمات الشبيبة الحزبية” كأذرع موازية لها.
كان الغرض في البداية يبدو نبيلا والرؤية وردية: شبيبة تخاطب شباب البلاد بلغته وتقاسمه همومه وانشغالاته وتؤطره في العمل السياسي والثقافي، على أمل أن يأخذ المشعل ويمسك زمام الأمور بعد تنحي قادة الحزب لسبب أو لآخر، خاصة أن أعمار قيادة هذه المنظمات وأعضائها تتراوح بين العشرينات والأربعينات.
لكن بفعل عبثية المشهد السياسي بالبلاد وطغيان المال على الفعل النضالي القاعدي، وبفعل “قذافية” قادة الأحزاب التي تحولت هي نفسها إلى زوايا يلعب الزعيم فيها دور الشيخ وبقية الأعضاء والمنخرطين دور المريدين، وبفعل “شيطنة” العمل السياسي، تحولت هذه “الشبيبات” إلى ملحقات ثقافية وجمعيات مائعة تحاول تنظيم دروس الدعم والمخيمات حتى تشير إلى أنها لا زالت على قيد الحياة.
وبعد أن تيقن أعضاء “منظمات الشبيبة” هاته أن الحصول على الامتيازات لا يأتي بالعمل النضالي، تحولوا إلى أبواق تطبل لمن هم “فوقهم” تراتبيا في الحزب (مكتبه السياسي المركزي والجهوي والمحلي، ومنتخبيه وبرلمانييه ومجلسه السياسي…) كما جعلوا أنفسهم في يد “معلميهم” يطبلون بما تم إنجازه وما لم ولن يتم تحقيقه.
ولأن السلطة تورث الطغيان، فقد كان للناس أمل في شبيبة تمارس فعل الرقابة الداخلية على قيادة الأحزاب وتنتقد جنوحها بشجاعة وتقوم اعوجاجها وتعيد ضبط بوصلة أشغالها، لكن خاب الأمل كالعادة دائما، وخلف الساحر جنيا فاق في السحر أباه، وخنعت الشبيبة لأولياء نعمتها وقنعت بما دون الفتات، فأصبح قادة الحزب ووزراؤه في مرتبة المقدس الذي له واجب الاحترام والتوقير ونصبت الشبيبة نفسها مدافعا عنهم تنصرهم ظالمين و”ظالمين”.
وكانت هذه المنظمات أزواجا ثلاثة: فالمطبلون والمطبلون والمطبلون.