ألم تعلم أن الله خلق الإنسان بعد القلم، وجعل طريق العلم شائكاً من عناء وألم، وسخر الجهل يجري في الإنسان مجرى الدم، واعلم أن محل القلم من الكاتب كمحل الرمح من الفارس، والقلم لسان اليد وترجمان الفكر، وهو سلاح لا يقل في تأثيره عن غيره من الأسلحة، فقد منّ الله على عباده في أول سورة نزلت أنه علمهم بالقلم بعد أن منّ عليهم بالقراءة أمراً وفرضاً، فما كان فرضاً على نبيهم إنما هو فرض عليهم “الذي علم بالقلم” وما الأسلحة الأخرى مهما كانت إلا وكانت نتاجاً للقراءة والكتابة والبحث والتمحيص والعلم والتقدم والصناعة والزراعة، والتي كلها أدوات حياة وسبل معيشة لمن أراد أن يحيا قوياً عزيزاً…
العلاقة بين العقل والقلم تكاد تكون حيوية وروحية، رغم أنه يبدو لنا أن القلم لا يمتلك روحاً، إلا أننا ندرك أنه يستمد روحاً من روح العقل الذي يضخ من خلاله الحروف والكلمات، لتغدو هذه الكلمات تبث الحياة في قلوب قارئيها ومن هنا ندرك سر اقتران “إقرأ…والقلم” في أول سورة نزلت من القرآن، ويبقى امتلاك الفكر وامتلاك القلم وامتلاك الوسيلة هي أعظم الأسلحة التي تقاتل الأمم بها أعداءها وما النصر إلا من عند الله…
وببكاء القلم تبتسم الكتب، والألم يجعل من القلم كياناً مبدعاً رغم أنه يقف عاجزاً أمام بعض المواقف، وبعض الكلمات لها نفحات تختلف من قلم إلى قلم، ولا قيمة للقلم بلا قيم، ولولا العقل ما كتب القلم، وحرية القلم من حرية العقل، وحرية العقل من حرية الضمير، وحرية الضمير من صلاح القلب، وصلاح القلب من علامات التوفيق…
القلم الحر المشبع بالقيم الحامل للأحلام المخطط للأهداف الملون بألوان الحق والعدل والخير لا يتوقف عن الكتابة ولا يفارق الحرف ما دام صاحبه حياً، القلم وجه من وجوه متعددة لمسمى واحد هو الحق، القلم أضيع الأمانات وأروع الكلمات وأوثق المعاهدات، نبضه قوة وعطر كلمته جاذبية، وهو صديقك الذي ينقل حروفك الجميلة وكلماتك الصادقة من قلبك إلى قلوب الناس، وهو الذي أقسم الله تعالى به في كتابه العظيم، فإذا مسكت القلم اسأل الله فتحه ونصره وهداه.
🖋️إدريس زياد