يرى البعض أنه لم يعد بالإمكان إصلاح منظومة الأحزاب من الداخل، ولذلك يدعون إلى تفكيكها وجعلها في حزبين إثنين، يسار ويمين كالدول المتقدمة، في المقابل يرى آخرون بأن لب المشكلة يكمن في اختطاف هذه الأحزاب من قبل مجموعة متنفذة متحكمة من الشيوخ الهرمة على جميع الأصعدة المركزية والجهوية وحتى الإقليمية، فهي من تصنع الفساد لتثبيت سلطتها وهيمنتها، والخطير في الأمر أن هؤلاء ربطوا بقاء هذه الأحزاب بوجودهم، هذا المشهد حوّل مسألة الإصلاح إلى معركة صفرية بين أبيض وأسود، فإما أنا على رأس هذا الحزب على حالته دون تغيير في أركانه وهياكله، أتلوّن وأتلوّى مع متطلّبات أبناء الشعب الفاقد أصلاً لمصداقية الأحزاب بصفة عامة، أو يأتي الطوفان بعدي، أما الحل الأكثر واقعية والأقل تكلفة، يتطلب أن يحتكم المتربعون على عرش الأحزاب إلى قرار القواعد فإما أن يفوضوا لهم أو يطلبوا منهم الرحيل، لماذا يرتبط وجود الأحزاب بأشخاص بعينهم، ماذا أنجزوا لمنح أنفسهم مزيداً من التزكيات لإكمال نهبهم وفسادهم، ديغول قاد تحرير فرنسا وخرج من السلطة بقرار شعبي، ونيستون تشرشل قاد بريطانيا لهزيمة النازية ورحل بانتخابات.
لم تعد التجربة الديمقراطية في المغرب تتحمل إلإساءة إضافة إلى الإساءات الكثيرة التي طالتها منذ الإستقلال إلى أيامنا هذه، خاصة وأن الدولة وبكل مكوناتها تُجهد نفسها وتبالغ في تزيينها وتمجيدها ووصفها بالريادة والتفرد، إلا أن المحيط يطبعه الجهل والتسلط والطغيان والميوعة السياسية من طرف بعض المنتسبين إلى الأحزاب الذين تسببوا في تمييع المؤتمرات وفي الشوهة أثناء انعقاد دورات المجالس وفي جلسات البرلمان، لذلك فالدولة تتحمل المسؤولية سواء أدركت أو لم تدرك حجم السقطة التي أوقعت فيها نفسها، لهذا فأي إساءة مقصودة ومنها الأحزاب التي تم إفراغها من مضمونها الحقيقي، بقصد التحكم فيها وتوجيه العامة من خلالها، إن ذلك وإن كان مخططاً متحكماً فيه، إلا أنه سيرتد على الدولة نفسها عندما تظهر عليها علامات الضعف والوهن والفراغ المبين، حيث ستفقد هيبتها وتنفلت من بين يديها مخرجات العملية السياسية والإجتماعية معاً، لتفسح المجال إلى تنامي الطفيليات الضارة والأعشاب السياسوية المقيتة وإبراز دعوات الجهل يميناً ويساراً.
كل ما وصلنا إليه بسبب هشاشة النخب السياسية هو تدمير الإقتصاد وإفقار الناس، وتدمير التعليم والصحة، وتخريب القطاعين الخاص والعام معاً، وبلوغ الرقم القياسي في غلاء المعيشة، والتخبط في العشوائيات، وإرباك الحاضر والمستقبل والسير بهما نحو المجهول بكل ما تعنيه الكلمة، لا خير يرجى من نخب لا تحترم منتخبيها وتتخذ القرارات وتشرع القوانين ضدهم، فصناعة آلهة معابد الأحزاب والنقابات عن طريق توريث المناصب بالإحتيال على تغيير القوانين الأساسية والداخلية والتحايل عليها كان هو السبب في القضاء الممنهج على أدوارها، فأنتج ما نعيشه اليوم، جعل الفساد يستشرى ويتغول، تخيلوا لو أن لدينا أحزاب قوية ومنظمات حقوقية ونقابات فاعلة ومؤثرة وأحزاب تضم مئات الآلاف من الشرفاء تعبر عن همومهم، هل ستكون كمشة من الفاسدين ستجرؤ على التغول على حقوقنا والتفريط في ما نحن اليوم في أمس الحاجة إليه من تعليم وصحة؟نظرة واحدة خاطفة على معظم رموز المرحلة تجعلك تدرك أن الحل لا يكمن في الترقيع واتخاذ إجراءات مجحفة وقرارات ارتجالية، بل في الإصلاح الشامل وإطلاق الحريات وإعطاء الناس حقها باختيار ممثليها وتحرير طاقات الشعب الكامنة في مواجهة الفساد والفاسدين.
إن من أبهى صور انتصار الشرفاء أن يسقط مسؤول فاسد، وإن من أبهى صور ثبات الأقدام أن لا يحل محله فاسد جديد، ولكن تسلط فاسد جديد إن حدث، لا ينظف الفاسد القديم من فساده وخيانته، ولا يصح الترويج لأيامه الخالية ولا الإعتذار له، ومن فعل ذلك تصريحاً أو تلميحاً فهو عبد ذليل قليل الوعي ساقط الهمة، وستظل خدمة الناس والصالح العام أعلى من الأحزاب والتحالفات والمصالح، ولقد علمنا التاريخ أن فرعون هو فرعون الغريق ولو عاد إلى الحياة ألف مرة، وكذلك فإن الخلاص من فاسد قديم يجب أن لا يدفع الناس إلى التسليم بصعود مسؤول جديد إلى مرتبة فاسد، ولا إلى اتهامه بذلك الصعود إن لم يكن ذلك بدليل لا يقوم على هوى، فالوعي الوعي، والحذر الحذر، والإنصاف الإنصاف.
إن الرهان على أحزاب ثبت فشلها هو إهدار للوقت والجهد والمال، بل هو نوع من إعادة تدوير الأزمة، ولا أمل في التغيير في ظل احتكار المشهد السياسي والنقابي لشيوخ هرمة تحمل سيوفاً خشبية فتراهم عند كل باب متربصون.
🖋️إدريس زياد