بقلم: إبراهيم أبهوش – صحفي مغربي
احتجاجات جيل Z، رغم مشروعيتها، أخرجت المطالب الحقيقية عن سياقها العام…فالمطلب الأساس لا يعني شيئًا آخر سوى أننا نريد مستشفيات عامة في خدمة الوطن والمواطن، نريد تعليمًا جيدًا لأبنائنا، ونريد استشرافًا حقيقيًا يعتمد الحاضر ويستحضر أفقًا يليق بالمستقبل.
لكن لماذا، بعد هذا السياق العام، تتحول الاستجابة الحكومية إلى فوضى؟لماذا حين يُطرح الملف المطلبي بوضوح، تبدأ بعض الأوساط الحزبية المشاركة في الحكومة في التحاور ظاهريًا والمناورة فعليًا؟وهل يُعقل أن يتحدث بعض المسؤولين بصفة حزبية حين يتعلق الأمر بملف حكومي؟أليس هذا خلطًا يُضعف الثقة ويُربك الحوار؟هل ما زلنا نحتاج إلى نظريات كبرى ومخططات فضفاضة لإصلاح قطاع الصحة؟أليس الأمر في جوهره مجرد ميزانية تجهيز وتسيير؟
هل توفير المعدات، وتأهيل المستشفيات، والتعاقد مع الأطر الطبية، وتوفير أدوية علاجية بمعايير الجودة العالمية، يتطلب أكثر من إرادة سياسية صادقة؟ثم، لماذا يُسمح باستيراد أدوية من بعض الدول بثمن بخس، ثم تُباع للمواطنين بثمن مضاعف؟أين مراقبة الجودة؟ أين مبدأ الحق في العلاج؟هل تحوّل الدواء إلى سلعة استثمارية؟ وهل يُعقل أن تكون النتيجة: لا علاج فعلي رغم الدفع؟ولماذا تتكرر في مختلف جهات المغرب ظاهرة النقل الاستعجالي للمصابين والمرضى بالمروحيات نحو المستشفى العسكري بالرباط أو الجامعي بمراكش؟هل أصبحت هذه المؤسسات ملاذًا أخيرًا؟أين المستشفيات الجهوية؟
أين العدالة المجالية في العلاج؟هل يُعقل أن يُستكمل العلاج ببيع مجوهرات الزوجة أو القروض أو التسول لدى الاقارب والأصحاب؟ثم ماذا عن المواطن البسيط الذي لا يملك شيئًا، سوى أن يدعو الله أن يمد في عمره بعد استعانته بالطب البديل وهو في قمة الجبل؟وماذا عن امرأة حامل فاجأها المخاض ولا سيارة إسعاف، ولا مستوصف صحي، ولا دار ولادة؟هل ننتظر المعجزة؟ أم نُقر بأن غياب الحد الأدنى من البنية الصحية هو إخلال بالحق في الحياة؟وإذا كانت المؤسسات الصحية الخاصة تشتغل ليلًا ونهارًا، وتتوفر على أطقم طبية في كل الأوقات، فهل نطرح السؤال المحرج:لماذا يعجز القطاع العام عن ذلك؟هل الفرق في الموارد؟ أم في غياب المحاسبة؟هل نملك آليات لربط المسؤولية بالنتائج؟ أم أن غيابها هو أصل العطب؟وما يقال عن الصحة، يُقال أيضًا عن التعليم، الذي ما فتئ جلالة الملك يدعو إلى إصلاحه العميق، وربطه بالتنمية والعدالة الاجتماعية.
أين توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين؟أين الالتزام بجعل المدرسة العمومية فضاءً للارتقاء الاجتماعي؟هل يُعقل أن يستمر الهدر المدرسي، وتُهمّش الكفاءات، وتُغيب الجودة، رغم كل التقارير الرسمية؟وحتى الصحافة والإعلام الوطني، الذي يُطبل لكل شيء دون أن يسأل أو ينقل للمسؤولين استفسارات المواطن وانشغالاته، فهو بلا شك يُساهم في انتشار الفساد والإفساد.
السكوت عن فضح ما يجري هو مشاركة فيه.أوليس الإعلام سلطة رابعة؟لقد حُوّلت إلى تفاهة، ويراد لما تبقى منها أن يصبح تابعًا رادعًا، بالدعم حينًا وبالترهيب حينًا آخر.إن محاربة الفساد ليست شعارًا، بل مسؤولية جماعية.والمحاسبة ليست تهديدًا، بل ضمانٌ للاستقامة.والتواصل ليس بطولة، بل واجب وظيفي.
فهل نملك الشجاعة لطرح هذه الأسئلة داخل المؤسسات؟وهل نملك الجرأة لنقول: اتقوا الله في وطنكم، وليقم كل منا بواجبه، بكل مسؤولية ونزاهة.