إن الشرود الذهني هو فقدان الإحساس بالمكان والزمان. و قد يصبح ملازما لبعض الأشخاص و هو أمر يحتاج استدراكه قبل فوات الأوان .
و إن مناسبة هذا القول هو وجود عدد من الناس ينساقون مع الجزئيات و يحولونها الى قضايا رئيسية .
ومن الطبيعي أن تمر على الإنسان لحظات من الشرود في الذهن، ولكن يزداد الأمر عن حده عند البعض حينما يتجاهلون الواقع الحقيقي للمجتمع و مما يتخبط فيه من تبعات الفساد و نهب المال العام و الإفلات من العقاب و الرشوة و يهتمون بأشياء ثانوية و عابرة .
و إنه بينما المغاربة ينتظرون محاسبة المسؤولين في الجامعات الرياضية على تبديد عشرة ملايير درهم في بضعة أيام تهم المشاركة في ألعاب الأولمبياد بفرنسا 2024 دون نتائج مهمة تذكر ، حيث ينتظر جميع المغاربة محاسبة المسؤولين عن الكارثة و تبديد المال العام، مما يتطلب من الجميع الانخراط الفعلي و العملي في معركة محاربة الفساد، المعركة الرئيسية فإذا بنا نقرأ على صفحات فيسبوك و بعض الجرائد الورقية ردود أفعال قوية و مشتعلة على إنسان مواطن يرأس جمعية حقوقية على تصريح له بمناسبة الإحصاء العام و التي سيشارك فيه بعض رجال التعليم محذرا من هذه المشاركة لأنها ستضيع فرص التحصيل لدى التلاميذ واصفا إياها بأنها عملية عطاشة.
و حتى تبقى القضايا الأساسية هي موضع النقاش و التحليل بدل الهروب إلى القضايا الجزئية و الظرفية التي تزول مع زوالها وجب التوضيح بأن الأمر الأساسي لا يتعلق بالإحصاء كعملية تقنية تعود المغرب على إجراؤها منذ ستينات القرن الماضي و بواسطة رجال التعليم في شهر يوليوز .
لكن الأساسي الذي علينا جميعا أن نناضل من أجله كأفراد و كقوى سياسية يسارية و كنقابات تقدمية و جمعيات مكافحة مبدئية هو تحسين مناخ الدخول المدرسي في ظل نار الأسعار و التي تشمل كذاك الأدوات المدرسية ،لأن الدولة غائبة عن المراقبة و المتابعة، في ظل برامج مركبة و معقدة يغلب عليها طابع التلقين و الحشو ، و يصعب على الأستاذ فك رموزها البيداغوجية، لأن مفاتيحها عند الذين وضعوها مقتصرين على النقل و على تغيير الألوان و الصور، لأن همهم هو الإثراء غير المشروع على حساب الفكر التربوي و العلمي و تغييب الأستاذ عن عملية الإنتاج التربوى أو على الأقل الاستشارة التربوية و العلمية وفق تجاربه بالفصل وهو الذي بإمكانه أن يحدد واقعيا التراكمات السلبية على مستوى المعارف و المهارات و هو الذي يجب أن توكل إليه المعالجة الضرورية حسب المواد و ذلك بعد تكوين في هذا المجال .
الأستاذ لا ينتظر أحدا أن يصفه بالعطاش أو المتعاقد أو المؤقت الخ … و هي أوصاف من وحي أعداء المدرسة العمومية و أعداء سبل التنمية و التقدم و بناء شخصية المتعلم لتكون شخصية قوية واعية وواعدة.
الأستاذ له جمعيات و نقابات و أحزاب و له شخصيته المادية و المعنوية فهو لا تهزه ريح . فعلينا أن ننظر إلى المدرسة العمومية في عمقها التربوي و التعليمي / التعلمي و نحمي أطفالنا من مدرسة أرادت الدولة أن تكون عقيمة لا تنتج المفكر و العالم و لكن لتنتج الأمي و الشخص المتخلف و السلبي .
إن الوضع التعليمي يزداد انحدارا و تخلفا ليكون في الرتب المتأخرة في التصنيف العالمي حسب المنظمات الدولية المختصة في التعليم. أما الإحصاء أو غيره فما هو إلا عمل تقوم به الدولة لأغراضها الخاصة في التخطيط للمستقبل، و من يريد أن يلفت نظر الجماهير عما تعانيه من غلاء العيش وضيق الحال و الدخول المدرسي على الأبواب إنما يقدم خدمة مجانية لحكومة لا تعترف بالطبقات الشعبية المقهورة بقدر ما تهتم بـ “لوبيات ” الفساد و نهب المال العام واستنزاف الثروات الطبيعية البرية والبحرية، واقتسام المنافع و إسناد الصفقات التي تجرى في جنح الظلام و المتعلقة بالكتب المدرسية حيث يتم إسنادها لشركات الأقارب لجني أرباح غير شرعية على حساب جيوب آباء و أولياء التلاميذ و التلميذات .
*البدالي صافي الدين.