بقلم المدون:ادريس زياد
في فصل الصيف وفي الأجواء الحارة تبتدئ مشاكلنا مع الحشرات، وسميت الحشرات لأنها تحشر خراطيمها فيما لا يعنيها، وسمي الذباب ذباباً لأنه كلما ذب آب أي رجع، فبمجرد التفكير في أخذ قسط من الراحة بعد وجبة الغَداء، يصرّ الذباب أو الذبّان المجنون على التدخل في خصوصياتك بسبب نشاطه مع بداية هذا الفصل الحار وكرهه للأجواء الباردة.
ويفضل الذباب الملعون الذي لا يستحي ممارسة الجنس علناً فوق جثتك وأنت ممدّد في قيلولة، وياله من إزعاج حينما يتلذذ ويرتعش ويزنزن بأجنحته على وجهك وأنت نائم، كما أنه شجاع لا يخاف ومحارب لا يتولى عن الزحف، يحب الضوء ويتبعه ويكره الظلام، والذبابة أو الذبانة كثيرة المراوغة سريعة الإبصار لها حاسة شم قوية، جسدها على هيئة الطائرة المقاتلة البيرقدار، بدروع طويلة صلبة لاصقة، وعيون ناظرة على جميع الجهات، وأجنحة مركبة مع قدرة طيران في كل الإتجاهات وتعقب ومناورة لا مثيل لهما…
لكن الخطير هو البعوض أو شنيولة التي لا تُرى بالعين المجردة والبارعة في التخفي، فإذا قرصت يدك انتفخت عينك وتبقى آثارها السلبية لعدة أيام مصحوبة بعواصف من الحكة والتقرحات، هذه الحشرات التي تتوحش وتنشط ليلاً في الظلام الدامس، فغالباً ما تنتهي ليالي الصيف الحارة بهجوم شرس لهذه الحشرات التي تنتشر بكثرة وتعرضنا على مدار ساعات الظلمة لقصف جوي مبرح، فيما تقوم أسراب طائرات البعوض والشنيولة الشبح من فرقة الكوماندو بالتسلل إلى البيوت وإلى داخل الأغطية، نبدي الشجاعة في بادئ الأمر في صدّ الهجوم رغم فداحة الإصابات، لكننا نستسلم حين لم يبق في أجسامنا موضعاً للطعن والضرب…
حتى في الفصول الباردة تجد البعوض المنهزم من المطر بانتظارك هناك داخل البيت في مجموعات هجومية شديدة الشراسة، يساعدها انطفاء الأضواء على تركيز هجمتها، وأثناء بزوغ خطوط الضوء مع الفجر تعلن انتصارها قبل رحيلها بجولات مكوكية لا تترك للنوم طريقاً إليك، فلا شيء أسوء من خوض حرب دفاعية ضد جيوش البعوض والشنيولة، حيث يستخدم أساليب حرب عجيبة وهو قادر على هزيمة معظم الدفاعات، حتى لو اختبأت تحت فراش أو داخل ناموسية فهو لا يكف عن توجيه هجمات استنزاف بواسطة موجات أزيزه التي تصل لأعماق الدماغ…
وفي فصل الصيف أيضاً تواجهنا مشاكل انقطاع الكهرباء والماء والحر الشديد والحشرات الهائجة، فلك أن تتخيل أنك تنام في غرفة صغيرة حرارتها تتجاوز الأربعين درجة ولا تسمع إلا أصوات أسراب الناموس المحلق وموسيقى تزنزين الذباب، وعلى الأرض يسير النمل المجتهد وهو أنواع لا يكثرت للصيف وحرارته، فهناك الأسود القارص والأحمر السريع الخارم والصحن الدوار، ولا ننسى قاهر النساء سراق الزيت صاحب الهبة الربانية والحكمة المتعالية الذي يتنزه في الغرفة وكأنه في حدائق الماجوريل، وفي بعض الأحيان تشعل الضوء على الدائم السكن في غرفتك أبي بريص وزوجته المصونة في حالة تزاوج متنكرين في خزانة ملابس الأطفال.
🖋️إدريس زياد