يتطاير الشر من عينيه، ولا يخرج من شفتيه إلا الكلام الجارح واللفظ الساخر المستهزئ، لسانه كالمقراض للأعراض، لا يوفقه الله أن يجعل ذلك مخصوصاً بأعدائه فلا تراه يقارع العدوّ بجوارح لسانه، ذلك هو الخبيث، والجمع خُبُثٌ أو خُبثاءٌ أو خِباثٌ أو خَبائِثٌ أو خَبَثةٌ، وفي كل جماعة خبيثٌ، يكون شخصاً حقوداً مستحقَراً أو حقيراً ومُستكرَهاً أو مُستكرِهاً، كثير الخبث، كثير المكر، سيء الخُلُق، فاسقاً، يكره الجميع سيرته ويستثقلون اسمه، ويهجرون مجالسته، ويَتَمَنّوْنَ سقوط صخرة على “دُقْشِهِ” لشدة ما يغيظهم بسرده المستفزّ وتحليله المتثلّج المستبرَد واتهامه الرخيص، وهذا الخبيث إذا وجد داعماً من أرباب السياسة ونوافذ النفوذ وكهنة التنظيمات فإنه شرّ الناس إذا تطاير الخلاف، واستحكم الشرّ بين الرفاق، فلا يُغيظ بفَظِيظ لفظه إلا صديقاً صافياً، ولا يلين إلا لأهل الغِلّ والغِمْر، هو آلة فتنة، فاجتنِبوه…
الخبيث هو ذاك المخلوق الغريب الذي يرقص ويطبل وجل أمانيه أن يسمع به الطاغي ليرضى عنه ويرمي له بالفتات، هو عديم التفكير يتبع دون وعي مع نظارات على جوانب عينيه، ويسير إلى الأمام حيث يريد صاحبه، وتكفيه كلمة من حرفين لأجل السير ومثلها لأجل الوقوف، الخبيث كحاطب الليل، الذي يحتطب كل شيء في الظلام ويجمع الغث والسمين، مثله كمثل من يحمل حزمة حطب وفيه أفعى فتلدغه وهو لايدري، هو سليط اللسان الذي يتكلم بكل ما يمر بخاطره، الكذاب الذي يقلب الحقائق حتى في وقت الشدائد حباً في الظهور، إذا جلست معه مدحك وإذا غاب عنك وصفك بما يقلل من هيبتك أمام الناس، يخفي رأسه في الرمل كالنعامة ومن غبائه لا يعرف بأن قفاه مكشوف، إذا قام بمهمة يذكر ما يريد وهو غير مؤتمن على نقل أراء الآخرين بأمانة، هو الذي يتقن التملق لأجل التسلق على حساب الآخرين…
ما أصعب هذا النوع الوصولي الإنتهازي الذي يُظهر الخير ويُبطن الشر ويخدع الآخرين ردحاً من الزمن، ما أكثر هذا النوع من الآفات الذي تجده في كثير من الأوقات، يحضر في كل الفتن خصوصاً عند فتنة التمكين، يأكل مع كل ذئب وينبح مع كل كلب ويبكي مع كل راعي، هو منافق، فارغ، رخيص، قاسي القلب، مغرور، جبان، كثير الكلام لا يفرق بين الصالح والطالح، يصطف بالتصفيق لكل باطل بالدفاع عنه، قال حكيم: أول العِي الإختلاط، وأول القول الإفراط، والإختلاط هو التخليط في الكلام والإكثار من النطق، وفي الرد على الخبيث، إن أمسكتَ، أمسكتَ على كمد، وإن أرسلتَه ظن أنه نال، وإن رددتَ، أختلط الحابل بالنابل، وإن بيّنتَ أصل البلاء فيه سلق بألسنة حداد، شرّه يغص بشوكة الحلوق ولا يكاد ينجو منه أحد، أما السبيل إلى السلامة منه، هو اجتنابه وكفّ لسانه، وإن لم تتمكن من كفّ لسانه فتجنبه وذلك أسلم، فَذاك بلاء عظيم وهو من شرار الناس وغوغائهم.
🖋️إدريس زياد