وأنت تمشي في الأسواق، تدقق في وجوه الناس، غالبيتها تبدو متعبة، حزينة، تشعر بالإحباط والتدني، وقليل منها تبدو عليها علامات الرضا والتفاؤل والإنشراح، لا داعي لأن تسمعوا منهم ولا تستطلعوا الرأي، فقط دققوا في وجهوههم وستعرفون فضاعة الألم التي يعكسها المشهد العام، أينما حللت وارتحلت تلمس حجم الإحباط واليأس الذي تسلل لقلوب الناس، يكفيك أن تسأل “البقال” في محله أو “الحلاق” في صالونه، يكفيك أن تركب “الطاكسي”، يكفيك أن تسأل من يجلس إلى جانبك في المقهى، اسأله عن رأيه بالوضع العام في البلاد؟ وأتحداك إذا أبدى أي مظهر من مظاهر الإرتياح والرضا، هذا إذا لم ينهي كلامه بالسب والشتم، إحباط من كل شيء، إحباط وشكوى من الوضع الإقتصادي، إحباط وملل من الوضع السياسي، إحباط من تراجع الأخلاق والقيم وتفشي الأنانية والنفاق والكذب، الناس لم تعد تبالي بالسياسة وتعقيداتها، السلطة والمال وتبادل المصالح صارت هي التي تضبط أساس العلاقات الإجتماعية، تشعر أن الكل منزعج وحانق وفاقد الأمل بالتغيير عدا أعضاء الحكومة والبرلمان ومدربي التنمية البشرية، أمام هذا الواقع المأساوي السوداوي، المسؤولية ملقاة على عاتق كل واحد فينا، لكن الدولة كونها تملك أدوات التأثير الجامعة هي التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا التدهور والتراجع والإحباط، إذا فشلت الدولة سياسياً لأسباب قد نفهمها أو لا نفهمها، فلماذا لم تنجح في القطاعات الأساسية؟ لماذا لم تدعم المواطن؟ لماذا لم تطور النظام التعليمي؟ لماذا لم ترتقي بالجانب الصحي؟
في حين آلاف البرلمانيين يتمتعون بتقاعد مريح مدى الحياة، ومئات الوزراء السابقين يتقاضون معاشاتهم بالباطل منذ سنين، وآلاف الموظفين السامين يستفيدون من امتيازات لا تحصى، هؤلاء العرمرم يكلفون خزينة الدولة الملايين، كلها على حساب جيوب المواطنين البسطاء والموظفين العاملين في القطاعين، وتجد الحكومة تجتهد في خلق ضرائب كل حين لأجل ترميم عجز الميزانية من أجور الموظفين والمتقاعدين التي طالتها أيادي السراق دون اعتبارهم، والهدف تعويض السرقة الموصوفة من جيوب هؤلاء البسطاء دون محاسبة أو مساءلة…
لقد سرقوا أحلام وآمال الشعب و تنكروا لوعودهم، وهذا أشد خبثاً، وهذه السرقة الموصوفة مع سبق الإصرار والترصد أشد إيلاماً من سرقة المال، لقد قرأنا وسمعنا وعايشنا الكثير من الفضائح المالية والأخلاقية والسياسية التي أزكمت رائحتها الأنوف، وذلك على مدى عقود، لكننا مع الأسف لم نسمع يوماً ما بقيام محاكمة شفافة من أجل إحقاق العدالة وحماية المال العام، فبقي أصحاب الفضائح في مناصبهم وازدادوا قوة وحصانة، في حين تم اعتقال فاضحي الفساد من أحرار هذا الوطن، وكلما خرج الناس خلال احتجاجاتهم، وجهوا غضبهم إلى الوجهة غير الصحيحة، مما سهل على الإنتهازيين سرقة جهودهم وتهريبها إلى فضاءات معتمة، تزينها الأوهام و تضيئها الأحلام التي سوقها نفس الحربائيين…
إن الرهان على أحزاب ضمت إليها الجهلة والأميين وسماسرة الدمادم ليقرروا مصير الشعب فثبت فشلها، هو إهدار للوقت والجهد والمال وإعادة إنتاج الأزمة، لقد شبع المواطن من خطابات الشفوي الله يداوي، وما أحوج الوطن الآن وقبل أي وقت مضى إلى القيام بإجراءات عملية حقيقية صادقة بعيدة كل البعد عن الشعارات الجوفاء لإنقاذه من الغرق، وكما يبدو أن السكتة القلبية التي تهدد البلاد قد اقتربت كثيراً ووضعت الدولة في خندق ضيق للغاية فهي من جهة لم تعد تستطيع تمويل اقتصاد الريع ومن جهة أخرى لم تعد قادرة أيضاً على احتواء الضعط الإجتماعي بسبب توسع قاعدة الإحتجاجات وعدم القدرة على القمع الغير المنضبط لأننا أصبحنا نصب أعين دول العالم الجاحظة، دولة تصر على إنتاج نخب رديئة من الأعيان وتجار الدمم، ثم تتحدث عن فشل السياسة والسياسيين، لم يفشل النموذج التنموي لأنه لم يكن هناك أي نموذج أصلاً، فما حدث ولا يزال يحدث في المغرب هو إفشال وليس فشل مجتمع بأسره بسبب محاصرته بالإستبداد، فلا أمل في التغيير في ظل احتكار المشهد السياسي لنخبة برلمانية فاسدة لا زالت تسرق الحلوى كالصبيان…
وأنت أيها اللص الظالم السياسي السارق سيلاحقك صريخ المظلومين وأنين المكلومين ومعاناة الفقراء والمساكين، فالساحة السياسية اليوم مثل حلبة قتال ضُربت فيها الكرامة بلكمات متتالية على وجهها، وأصبحت تطفو عليها الأنانية والأحقاد النفسية والتدين المغشوس والمظاهر الخادعة.
🖋️إدريس زياد