كان خير الأوقات حيث تشتد حَمارة القيظ وتأوي الكائنات إلى الفيء، نزلت قرب المحطة في الوقت الذي تخف فيه الأقدام، فكان المشهد لمجموعة من سائقي سيارات الأجرة الكبيرة بنصف ثياب تحوّموا حول *حَطَّة* للأكل تخرج لهم طنجرتها من فومها وعدسها وبصلها وفلفلها…
ف
بائع العصير يُلقي لإحدى العابرات كلمات ليست كالكلمات، كلمات ظاهرها دعوة كريمة وباطنها من قبلها التعناب *ها العصير تعالي تشربي العصير*
مُلَمّع الأحدية قد ألقى على كرسيه جسداً منحوتاً بكل أدوات القهر، بجانبه المتسول قد تربع نائماً على هيئة تمثال مُمدداً يده حتى تلقى إحساناً قد يأتي في الأحلام….
سائق الكوتشي ينادي بائع السجائر فيأتي مهرولاً مثل فزاعة على قصبتين: *هاتِ سيجارة وكفناً* مَدّ البائع السّلعة وأدبر قائلاً: خمسة ! رد سائق الكوتشي: بل ثلاثة يا ابن الكذا ! قال: واثنان لعادل قلت لي على حسابك !
سائق الكوتشي وقد انغمر في الفتخ : آآآه لا تفوتك حاجة يا ابن…
تلك المحطة وتلك المشاهدات والشمس في كبد السماء وفي عز الصيف، فيها كل شيء، فيها الزنج والإفرنج والقفقاج والصقلاب والبشناق والتاتار وأهل الله، والهلاك والملاك والفقراء والفجار والنساك، فيها كل من وطيء الثرى.
🖋️إدريس زياد