هذا المثل قاله أكثم بن صيفي حكيم العرب الذي عاش في عصر الجاهلية، وأورده الميداني في مجمع أمثاله، وقد ورد في كتب الأدب المختلفة بروايتين أخريين، هما:
رضا الناس شيء لا يُنال (الجاحظ في البيان والتبيين)،
رضا الناس غاية لا تُبلغ (ديوان المعاني لأبي هلال العسكري – باب محاسن كلام العرب والأعراب والخطباء والكتّاب).
وفي ديوان لبيد بن ربيعة هذا البيت:
يتأكّلون مذمّة وخيانة ***ويعاب قائلهم وإن لم يَشغَبِ
يصف لبيد الناس الذين من حوله أنهم يأكلون أي يتهمون بعضهم بعضاً بالذمّ والخيانة، حتى أن القائل الذي لا يجور عن القصد يجدون فيه وفي قوله عيباً، فرضا الناس عنه غاية لا تدرك.
وفي حوار جرى بين أحمد بن حنبل وحاتم الأصمّ.
سأل الإمام أحمد حاتماً الزاهد: أخبرني يا شيخ، كيف التخلص إلى السلامة من الناس؟
الزاهد: بثلاثة أشياء.
ابن حنبل: وما هي؟
الزاهد: لا تعطهم مالك، ولا تأخذ منهم مالهم، تقضي حاجتهم، ولا تطالبهم بقضاء حقوقك، تصبر على أذاهم، ولا تؤذيهم.
ابن حنبل: إنها لصعبة يا شيخ.
الزاهد: وليتك تسلم !
وفي الأدب الغربي قيل كذلك:
إذا أشعلت أصابعك العشر شمعاً، وانطفأت واحدة منها، سينسى الناس التسع، ويحاسبونك على الواحدة.
نعم، سيتوقفون على الثغرة، وينسون كل جميل لك، فجرِّب أن تكتب نصاً فيه العبر، وفيه الفصاحة، أو جرِّب أن تقوم بعمل فيه خدمة وتطوع، بعدها ربما يظن بعضهم أن هناك خطأ يسيراً في مقالتك أو في خدمتك أو موقفك، وغالباً ما تجد أنهم نسوا كل إيجاب، وصاروا يتعللون بما حسبوه الخطأ، وأخذوا يترنمون به !
هل صدق أكثم بن صيفي في حكمته: رضا الناس غاية لا تُدرك؟
لكن هذه الحكمة الشهيرة *رضا الناس غاية لا تدرك* دائماً يتناقلها الناس مبتورة وغير مكتملة، وبتكملتها تصبح من أروع الحكم وهي:
*رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تُترَك، فاترك ما لا يُدرَك، وأدرِك ما لا يُترَك*
ومن لم يصدّق فليقرأ قصة جحا وابنه والحمار.
🖋️ إدريس زياد