عندما يدعوك أهلك تعتز بهم، وعندما يعزونك أكثر بوليمة يعلمون أنك تعزها وهم مصرّون على تبييت النية والعزم على الفعل، فتلك مكرمة عزيزة تُحفَظ للداعي العزيز الكريم، فيكون مجلس ذكر وخير، ومجمع ادّكار واعتبار، فوق ما فيه من تأصير الألفة، وتأليف الآصرة…
حضرت القصعة فإذا بها مترعة بالثريد، يتعانق فوقها مؤذنان من سلالة الفرّوج البلدي وكأنهما في اليوم العالمي للعناق، وقد نُثر اللوز الذهبي المقلَّى على أطرافها، تحيط بها حضنة من البيض البلدي، ثم صُبّ على القصعة المرق المخثور الذي يجمع عدداً من الثوابل والقطاني والمسخنات وحبيبات الحلبة التي أعطته جمال الشمس الدهناء، وشُرِّب التّريد العطشان تشريباً مرة تلو الأخرى…
وفي وسط المعمعة بدأت التساؤلات عن أصل التسمية وتاريخها، ولأن الحديث يُتَناتَش بتعليق هنا وفاصل هناك، فلا يكاد يتمّ جواب، ومثل هذه التسميات التي وضعت على هذا المسمى لا يعلم لها تاريخ في حياة الألفاظ، والثريد معروف هو طعام من رغيف، والثرد هو الهشم والفثّ، والثريدة هي القطعة الدسمة، ويمكن أن نقول ثرد الخبز ثرداً، وثردت الأم أي فتّت وكسرت الخبز وبلّلته أو غمرته بالمرق، والخبز ثريد ومثرود، والثُّردة هي ما ثُرِد من الخبز المصنوع من العجين المخمّر والمسقى بالمرق…
وهذا الثريد من أقدم المأكولات وأعرقها، وقد ابتدعه الناس قديماً لأكله في أزمنة الشتاء الباردة لإمداد البدن بالطاقة، وكأن هذا الطعام من لذاذته لا يُترَك منه شيء ما دام الفرّوج يعانق أخاه في لوحة رائعة نادراً ما تراها الأعين على متن القصاع، وعندما قمنا من مج٨لسنا متخمين حامدين شاكرين، وقد انكشفت أرضية القصعة في جبهات عديدة، استدعينا الشاي المعدّل للمزاج، الرافع للخمول المتثاقل النازع للنعاس، وكِدْنا نغني للمرحوم الحاج الحسين التولالي قصيدة الزردة:
ضيف ربي جيتك للدار
زيد بي من غير شوار
كان كنت جيد وكريم
لا دير معايا صرف لبخال
هات لي خمسين دجاجة
ردت بها نقضي حاجة
بالنوى عمر لي عشرة
وبالسمن عشرة حمرهم
زيد عشرة بالمعدنوس والفلافل
طيب عشرة مزعفرين ومرق لخرين
✍️ إدريس زياد