اقترن يوم فاتح ماي باليوم العالمي للشغل أو عيد الشغل، حيث يحتفل فيه العمال في كل دول العالم مع تنظيم تظاهرات من ورائها ملفات مطلبية لتسوية الأوضاع، ويعود أصل الإحتفال بهذا اليوم إلى سنة 1886 حينما نظم العمال في ولايتي شيكاغو وتورينتو الأمريكيتين إضراباً عن العمل شارك فيه ما بين 350 و 400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار: “ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والإستمتاع”
حقق هذا الإضراب نجاحاً كاسحاً شلّ الحركة الإقتصادية في ولايتي شيكاغو وتورينتو، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً منهم، وفي ذلك اليوم ألقى مجهول قنبلة وسط تجمع أدى إلى مقتل أحد عشر شخصاً، من بينهم سبعة رجال شرطة، تم اعتقال العديد من قادة العمال والحكم على أربعة منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بأحكام سجنية ثقيلة، وفي الوقت الذي كان الجلاد ينفذ حكم الإعدام في حق العمال الأربعة، كانت زوجة “أوجست سبايز” أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام تقرأ خطاباً كتبه زوجها لابنه الصغير “جيم” يقول فيه: ”ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شاباً وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء، وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصته لأصدقائك” وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.
على إثر هذه الحوادث وتضامناً مع عمال ولايتي شيكاغو وتورينتو الأمريكيتين، انعقد مؤتمر العمال الفرنسيين سنة 1888 في مدينة بوردو الفرنسية، وقرر اعتبار الفاتح من شهر ماي عيداً للطبقة العاملة في فرنسا، وفي عام 1889 أصدر اتحاد العمال الأمريكي قراراً مماثلاً لقرار النقابة الفرنسية، ثم تلاه قرار ثالث للمنظمات الأممية الدولية الثانية للنقابات العمالية. وفي نفس السنة أصدر مؤتمر العمال العالمي والذي حضره أربعمائة مندوب عن العمال، مطلباً لجميع حكومات بلدان العالم، وهو تأليف يوم العمل من ثماني ساعات فقط، وطالب مندوب النقابات الفرنسية أن يجري التعبير عن هذا المطلب في جميع البلدان، من خلال توقف شامل عن العمل، وأشار مندوب العمال الأميركيين إلى قرار رفاقه القيام بالإضراب في الأول من ماي سنة 1890، فقرر المؤتمر اعتبار هذا التاريخ يوماً للإحتفال بعيد العمال العالمي، فأصبح اليوم الأول من شهر ماي عيداً للطبقة العاملة في مختلف أنحاء العالم، وقد خرج العمال في فاتح ماي سنة 1890 في شتى أنحاء الأرض إلى الشوارع في تنظيم محكم ووقت مضبوط للتأكيد على تحالفهم مع ضحايا شيكاغو وتورينتو، وأيضاً للتعبير عن تحقيق ملفاتهم المطلبية لنيل حقوقهم العادلة والمشروعة، في مواجهة الباطرونا ولوبيات الفساد مهما كانت قوتهم.
الهيئات النقابية مهمتها لعب دور الوسيط الذي يُعبّر عن انشغالات واهتمامات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وهي في حقيقتها صمام ٲمان يضمن الإستقرار ويخفف من الإحتكاك المباشر وبشكل منظم، أما بالنسبة لأزمة الحركة النقابية في المغرب فهي ليست استثناء من أزمة كل الأشكال التنظيمية والتأطيرية، فهي تعيش نفس أزمة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، لكن الملاحظة التي لا تخطئها عين ملاحظ اليوم هي محاولة القتل العمد للعمل النقابي نتيجة للضربات المتتابعة والمسددة بشكل دقيق لنقط الضعف التنظيمي، بعض تلك الضربات هي من نوع التدمير الذاتي الذي قامت به التنظيمات النقابية تجاه نفسها، أما النوع الثاني فمرتبط برياح الوضع السياسي العام، ولنبدأ بالتدمير الذاتي وليسمح لي الشرفاء من الرفاق النقابيين أن أكون صريحاً، فبسبب التكلس التنظيمي وديناصورية القيادات ولن أسمي هنا أحداً لكن الجميع مقر بهذا الوضع ومعترف به، كذلك العوامل المرتبطة بالوضع السياسي فلعل أخطرها هو الوضع الهش الذي أضحت عليه جل مؤسسات الوساطة في ظل ما بعد الربيع الذي كرس الممارسات النكوصية قاعدة عامة، وما زاد من ذلك الوضع تفاقماً سياسة الإقتطاع من الأجور الهزيلة أيام الإضراب وهي سياسة ممنهجة لتدمير النقابات من خلال قطع الأرزاق والتي جعلت النقابات تتخوف من الدعوة للإضراب بسبب عدم ضمان نسب المشاركة، ولنعتبر وبصفة عامة أن الإرتكاس النقابي هو جزء من النكوص العام والهشاشة المطلقة التي ليست في صالح أحد في هذا الوطن.
🖋️إدريس زياد